الاثنين، 25 فبراير 2013

تاريخ تطور الوظيفة الاستراتيجية للموارد البشرية

إن تاريخ إدارة الموارد البشرية بطرقها وتمثيلها وإنشغالاتها كانت مرتبطة كليا بتاريخ الإقتصاد، والتي ينجر عنها حركة إجتماعية حاملة لمتطلبات وإحتياجات جديدة.

"قبل سنة 1914 لم تكن وظيفة الموارد البشرية كما هي الأن في الواقع، إدارة الموارد البشرية كان يديرها أرباب العمل أنفسهم، إن الظروف التي أدت إلى ظهور وبروز إدارة الموارد البشرية كفرع علمي مستقل، يعود إلى إنتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، وكان ذلك متداخلا ومرتبط بتحولات الجهاز الإقتصادي لتلك المرحلة ".


من جهة أخرى نشهد ميلاد الرأسمالية الحديثة والتي شهدت ظهور المؤسسة الإقتصادية الكبيرة في ظرف إجتماعي صعب، هذه المعطيات تمثل الواقع الذي فيه إدارة الموارد البشرية، حيث أن البناء النظري لهذه الوظيفة يعود إلى منظرين كماكس فيبر وتايلور وفايول، والذين يعتبرون من أوائل المنظرين في وظيفة إدارة الموارد البشرية.


إن تايلور يعد أول من حاول دراسة الحركات اللازمة لأداء العمل في المنظمات الصناعية، وتسجيل الزمن اللازم لكل حركة، وحينما كان يكتشف طرق مثلى أو ممتازة لأداء عمل ما، كان يفرضها على من يختارهم من العمال أثناء تدريبهم.


لقد جعل تايلور العمل الإداري أكثر واقعية، فالإدارة العلمية "تسعى لجمع المعلومات الخاصة بالعمل من العمال أنفسهم ثم تبويبها وتصنيفها ووضعها في شكل قواعد تساعد العامل على تأدية عمله بشكل كبير، فهي بذلك تجزأ العمل بين الإدارة والعمال بأسلوب يؤدي في النهاية إلى إرتفاع الكفاية الإنتاجية للمؤسسة"


وبالتالي فتايلور سعى إلى الإستخدام الأمثل للإنسان في المؤسسة، حيث كان إهتمامه منصبا على كيفية إدارة قدرات العامل وإستغلالها في خدمة المؤسسة، إلى جانب هذا التوجه إهتم أيضا بكيفية تحفيز العامل وتدريبه على تقنيات العمل والألات الجديدة في المؤسسة حتى يسمح له بالعطاء أكثر مما كان عليه، " وإعتبر تايلور الإختيار العلمي للعاملين الأساس في نجاح إدارة الموارد البشرية ويجب أن يتم إختيارهم بعد التأكد من تأهيلهم المناسب وتوافر القدرات والمهارات اللازمة لتحمل عبء ومسؤوليات الوظيفة...وأن العامل لن ينتج بالطاقة المطلوبة منه، إلا بعد أن يكون لديه الإستعداد للعمل والتدريب المناسب على العمل، وبذلك فإن تدريب العامل وتطويره أمر جوهري للوصول إلى المستوى المطلوب من العمل"، ومن هنا يظهر الإهتمام الواضح بالعمال من خلال مدرسة الإدارة العلمية لتايلور، وبالتالي ظهرت وظيفة إدارة الموارد البشرية عند تايلور كإدارة هامة لا بد من الإهتمام بها .


وفي السياق نفسه فإن تايلور له أفعال مختلفة، "سمح بإنشاء تنظيم العمل حول مباديء الوقت بمعنى وحدة الوقت اللازمة لتحقيق وظيفة محددة، كذلك ترتيب الوظائف حسب درجة التعقيد والمؤهلات المطلوبة لتحقيقها، حيث ظهر مفهوم العامل المتخصص والمؤهل أو عون التحكم، وبهذا أدت هذه المظاهر إلى وضع طرق لوصف مناصب العمل والذي ظهر كأداة حتمية وظرورية لإدارة الموارد البشرية".


تيار نظري ثاني ظهر وتطور يتناول بطريقة مختلفة كليا مفهوم الإنسان في العمل، مرتبط بمدرسة العلاقات الإنسانية، هذه المدرسة قامت بدراسة ظروف العمل والتي قام بها بمصانع هاوثورن، خلال تجاربه "لاحظ إلتون مايو أن العمال بعد تعريضهم لمختلف المتغيرات في محيط العمل، وخاصة شدة الضوء وساعات العمل ووقت الراحة وكذلك طريقة تقاضي الأجور، فأظهرت هذه التجارب أن محيط العمل له تأثير مباشر على فعالية العامل ومردوديته، وبالتالي تم إدراك لأول مرة أثر وسط أو محيط العمل على العامل، ومنه أعتبرت تجربة إلتون مايو مرحلة هامة ذات تأثير بالغ في تاريخ إدارة الموارد البشرية"


ماسلو أيضا هو الآخر ساهم في تطور إدارة الموارد البشرية، وهذا بإدراجه سلم للحاجيات الإنسانية والتي " تنمو بإنتظام من حاجيات أولية إلى حاجيات سامية وجد معقدة، والمنطق التمثيلي للحاجات حسب هرم ماسلو يعتمد على فكرة أن الحاجات العليا لا يمكن إشباعها إلا بعد إشباع الحاجات السفلى للهرم".


هذه النظرية تم توسيعها وتكميلها وتدقيقها من طرف هيرزبرغ من خلال دراسة التحفيز، والذي يعتبر أن إثبات النفس هو الهدف النهائي لكل توجه إنساني، وقام بربط مشكلة التحفيز الشخصي بمنطق المؤسسة.


تعتبر هذه الوظيفة الإستراتيجية من أهم الوظائف المتواجدة في المؤسسة، وإدارة هذه الوظيفة تتعامل مع الأفراد بصفتهم أهم عنصر من عناصر الإنتاج، ذلك لأنهم يمتازون بقدرات وكفاءات ومهارات بإمكانهم تطوير المؤسسة وبالأخص مكانة المؤسسة التي يعملون بها .


فالأفراد العاملين في المؤسسة يؤثرون ويتأثرون بما يدور حولهم من متغيرات في المؤسسة، لذا قامت هذه الإدارة الوظيفية بوضع لوائح وقوانين وإجراءات تكفل خدمة العنصر البشري في المؤسسة، وجهدت في أن تحقق رغبات هذا العنصر الهام ورغبات المؤسسة ككل .


وعلى هذا الأساس تطورت وظيفة الموارد البشرية قصد الزيادة في تنمية المؤسسة والموارد البشرية العاملة بها ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا التطور"تدخل الدولة في النشاط الإقتصادي وذلك بوضع لوائح تحدد كيفية إستخدام العمال والمحافظة على حقوقهم مثل قوانين العمل والعمال، كما نجد أيضا أن التطور التكنولوجي المتسارع والذي فرض الحاجة إلى تدريب العاملين وتطويرهم بصورة مستمرة وهذا يأتي مع ظهور الشركات والمؤسسات الكبيرة الحجم مما ترتب عليه زيادة الحاجة إلى الأفراد كما ونوعا"، فإتجهت الصناعة إلى إستعمال للآلات المتطلبة ليد عاملة أكثر تكوينا وأهمية في المؤسسات، وبالتالي فالتكنولوجيا أثرت مباشرة على تحول وتطور وظيفة الموارد البشرية في المؤسسة.


كذلك من بين الأسباب التي أدت إلى تطور هذه الوظيفة ظهور النقابات والإتحادات العمالية التي تقوم بالدفاع عن مصالح العمال، مما فرض وجود إدارة الأفراد للعناية بمتطلبات هذه النقابات، ومن جهة أخرى فإن " التحسن الذي عرفه العامل في مستواه التعليمي مع تطور الوضع الإجتماعي، أصبح يستطيع متابعة التغيرات السياسية والإجتماعية من خلال إدراكه للتطورات في أفكار الطبقة العمالية، وأصبح واعيا بكرامته الشخصية وبقيمة عمله، بعدما كان كالآلة في عين صاحب العمل، كما سمح له المستوى الثقافي أيضا بفهم أن التنظيم النقابي يقدم له وسيلة للدفاع الذاتي"، وهكذا تمكن العمال من الدفاع عن حقوقهم وبشكل جماعي مثل مقاطعة المصانع والإضرابات عن العمل.


فإنحصرت هذه الوظيفة على قيام إدارة الموارد البشرية نيابة عن أصحاب العمل، بإجراء مفاوضات مع النقابة التي تمثل العاملين، للتوصل إلى إتفاقات بينهما ترضي الطرفين، فيما يخص التعويضات المالية والمزايا الوظيفية، وكان كل طرف يحاول تحقيق مكاسب على حساب الطرف الأخر، وتجنب المشاكل مع النقابة قدر الإمكان لأنها عدو يشكل تهديدا على مصالح المؤسسة.

لقد تغير هذا الإتجاه في ظل التحول الإستراتيجي الذي طرأ على وظيفة إدارة الموارد البشرية، ليأخذ شكلا ومضمونا جديدين ومختلفين عن السابق،"هذا الشكل الجديد يقوم على تحقيق التعاون والوفاق بين المؤسسة والنقابة، لقد أصبح هذا الإتجاه الجديد جزءا من إستراتيجية المؤسسة وإدارة الموارد البشرية، ذلك لأن رضا النقابة يعني رضا القوى
العاملة، فهذا الرضا يخفف من درجة الصراع داخل المؤسسة"، لقد تطلب هذا الوضع الجديد من إدارة الموارد البشرية وضع سياسة جديدة للتعامل مع النقابة، وتطويرها بشكل مستمر وتعديلها مع تغير القيادات النقابية بسبب إحتمال وجود تباين في قناعات هذه القيادات.

ربنا يوفق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق