الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

أثر الثقافة التنظيمية على سلوك الموارد البشرية


تمهيد:
نظرا لأهمية الموارد البشرية واعتماد المؤسسات عليها في تحقيق أهدافها، فقد سعت هذه المؤسسات إلى الاعتراف بدورها وأهميتها وأوجدت غالبيتها إدارة خاصة بها، سميت بإدارة الأفراد، وتطورت هذه الإدارة مع الزمن وأعطيت حديثا لقب إدارة الموارد البشرية، أما المؤسسات التي وجد فيها العاملون مكانا جيدا للعمل، فقد نجحت وتطورت ومن الصعب أن لا يربط قادتها بين نجاحها ونجاح الأفراد العاملين فيها.
مفهوم الموارد البشرية:
تتكون كل مؤسسة من مجموعة من العناصر أو المكونات الأساسية تتحدد في ما يلي:
1- الأرض
2- المباني
3-رأس المال
4- التكنولوجيا
5- الأفراد
وهناك من الخبراء من يحصرها في ثلاث عناصر، وهي الأفراد، المال والمهمات ومهما تعددت العناصر، يمكننا القول أن أية مؤسسة أيا كان حجمها ونشاطها، تتكون من أصول مادية وموارد بشرية، ورغم أهمية الأصول المادية لنجاح المؤسسة؛ إلا انه في الوقت الراهن يبدوا إجماع المختصين والخبراء حول أهمية الموارد البشرية في المؤسسة واعتبارها أكثر الأصول أهمية؛ حيث أن عمل المؤسسة أصبح يتحدد بناء على هذا العنصر؛ ولهذا يعد العنصر البشري من بين كل مهام الإدارة هو الأكثر أهمية والأكثر محورية.
وتعرف الموارد البشرية على أنها "مجموعات الأفراد المشاركة في رسم أهداف وسياسات ونشاطات وإنجاز الأعمال التي تقوم بها المؤسسات، تقسم هذه الموارد إلى خمسة مجموعات وهي:
الموارد الاحترافية
الموارد القيادية.
الموارد الإشرافية.
باقي الموارد المشاركة.
الاتحادات العمالية".
تعريف إدارة الموارد البشرية:
تعرف إدارة الموارد البشرية بأنها "الأنشطة الإدارية المتعلقة بحصول المنظمة على احتياجاتها من الموارد البشرية، وتطويرها وتحفيزها والحفاظ عليها بما يمكن من تحقيق الأهداف التنظيمية بأعلى مستويات الكفاءة والفعالية".
وتعرف إدارة الموارد البشرية حسب Muchielli.Roger بأنها "تكمن في السياسات المتمثلة في (القرارات، التعليمات والنشاطات التي تظم التوظيف والتكوين، الترقية… وتهدف إلى تحقيق فعالية ونتيجة أحسن من طرف أفراد المنظمة".
ويتفق معظم الكتاب على أن الموارد البشرية هي مجموع الأفراد والجماعات التي تكون المنظمة في وقت معين، ويختلف هؤلاء الأفراد في ما بينهم من حيث تكوينهم، خبرتهم، سلوكهم، اتجاهاتهم، وطموحهم كما يختلفون في وظائفهم، مستوياتهم الإدارية وفي مساراتهم الوظيفية.
تستعمل المنظمة هذه الموارد من اجل تحقيق أهدافها، وتصميم وتنفيذ استراتيجيتها، وتختلف خصائص الموارد البشرية من منظمة إلى أخرى، حسب مستوى تطور معارفهم وكفاءاتهم وقدراتهم، ومقدار توافر هذه العناصر لدى الأفراد العاملين.
ان إدارة الموارد البشرية تنطوي على ممارسة العملية الإدارية من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة للعنصر البشري في المنظمة.
ويعتقد Cadau.P أن وظيفة المستخدمين باعتبارها إحدى مكونات تسيير المنظمة هي "مجموعة النشاطات التي تشمل الاكتساب، المحافظة، وتطوير الموارد البشرية التي تحتاجها المنظمة".
ويستدل من التعريف السابق لإدارة الموارد البشرية ما يلي:
وجود مجموعة من الأنشطة المميزة والمتخصصة والتي تعكس مساهمة إدارة الموارد البشرية في تحقيق الأهداف التنظيمية، وتشمل هذه الأنشطة: تخطيط الموارد البشرية، استقطاب العاملين، التدريب والتطوير التنظيمي، تحفيز العاملين، تقييم الأداء، وتحسين بيئة العمل.
يتمثل الغرض النهائي لإدارة الموارد البشرية في تحقيق الفعالية التنظيمية وتحقيق الأهداف الفردية لأعضاء التنظيم في ذات الوقت.
تمارس إدارة الموارد البشرية دورها في ظل ظروف ومتغيرات بيئية داخلية وخارجية يجب أخذها بعين الاعتبار لتحقيق الفعالية المطلوبة لأنشطتها.
والخلاصة أن إدارة الموارد البشرية تمثل نظاما لإدارة العنصر البشري باعتباره أهم العوامل المؤثرة في تحقيق تكيف المنظمة مع المتغيرات السائدة في بيئة أعمالها، ومن ثم قدرتها على تحقيق أهدافها المحددة.
من أهم سبل نجاح أي منظمة وجود أفراد قادرين على بذل الجهود المطلوبة للقيام بكافة أنشطة العمل داخل المنظمة، ولكي تضمن المنظمة ولاء أفرادها وجب وجود اتفاق بين أهدافها وقيم وثقافة هؤلاء الأفراد وإيجاد ثقافة تنظيمية قادرة على خلق ذلك الولاء باعتبارها المحرك الأساسي للطاقات والقدرات، فهي تؤثر بالدرجة الأولى على أداء الموارد البشرية وتحقيق إنتاجية مرتفعة من خلالهم، ذلك أن كفاءة الأداء دالة في قيم ومعتقدات الأفراد داخل المنظمة، فإذا كان للمنظمة تشكيلة من المنتجات تمكنها من تحقيق مركز تنافسي معتبر فكذلك لها منتج ثقافي يؤثر على أفكار وسلوكيات الأفراد وتكوين مثل عليا وأشخاص قدوة، ويمكن للمنظمة بناء ثقافة تنظيمية قوية من خلال مصادرها الأساسية المتمثلة في تاريخ المنظمة ومؤسسيها، سياسة وفلسفة الإدارة العليا إضافة إلى طريقة التوظيف والترقية والدوافع والتي تعتبر الركائز الأساسية لبناء ثقافة تنظيمية قوية.
مفهوم الثقافة التنظيمية وتطوره التاريخي:
يعرّف E.B.Taylor الثقافة على أنها "ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد، وجميع المقومات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع معين".
إن مفهوم ثقافة المؤسسة مرتبط بمفهوم الثقافة في علم الأجناس البشرية، وتتضمن الثقافة كذلك الأفكار المشتركة بين مجموعات الأفراد وكذا اللغات التي يتم من خلالها إيصال الأفكار بها، وهو ما يجعل من الثقافة عبارة عن نظام لسلوكيات مكتسبة، لقد ظهرت خلال فترة الثمانينات مصطلحات جديدة متعلقة بالمؤسسة، كالمرونة، الجودة الشاملة، ثقافة المؤسسة، بالرغم من صعوبة المصطلح الأخير، وتعدد تعاريفه ظل ذا جاذبية خاصة لما يعتقد في قدرته تسهيل التغيير والتجديد التنظيمي.
إن مفهوم ثقافة المؤسسة أول ما برز في الكتابات الخاصة بالإدارة في أمريكا الشمالية، وهذا في سنة1981 ، وشاع استعماله في العديد من المقالات المتعلقة بالمؤسسات الأمريكية، كما أرتبط كذلك بمفهوم كفاءة المؤسسات الأمريكية، وتمثل كل من "نظرية z "، و"فن الإدارة اليابانية"، و" ثقافة المؤسسة "و" البحث عن الامتياز" من المصادر الأساسية الأربعة لثقافة المؤسسة، كما تعتبر بعض المقالات الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1981 من بين المراجع الأساسية الأولى التي تناولت هذا المفهوم، واستعمل مصطلح ثقافة المنظمة لأول مرة من طرف الصحافة المتخصصة في سنة 1980، وكان ذلك من طرف المجلة الاقتصادية الأمريكيةBusiness Week  وأدرجت مجلة Fortune ركنا خاصا تحت عنوان Corporate culture، إلى أن جاء الباحثان (A.A. Kennedy & T.E. Deal) سنة 1982 بكتاب تحت عنوان (Corporate culture) واضعين بذلك اللبنة الأولى لهذا المفهوم، فيما يذكر هوفستيد أن مصطلح " الثقافة التنظيمية لم يصبح شائعا إلا في حلول الثمانينات الميلادية، ويحيل هوفستيد ذلك لكتابين اثنين هما: ثقافة المنظمة (Corporate culture: Deal & Kennedy 1982 )، وكتاب " البحث عن الامتياز " لبترز و ووترمان (In Search of excellence: Peters & Waterman 1982 )، وفي مطلع التسعينات تزايد اهتمام علماء السلوك التنظيمي بقضية " الثقافة التنظيمية" باعتبارها عاملا منتجا لمناخ العمل، مما يترك أثرا بالغا على سلوك الأفراد ومستويات إنتاجيتهم وإبداعهم.
يعرف الثقافة التنظيمية Edgar Morin  على أنها:" ذلك النظام الذي ينقل التجربة الموجودة لدى الأفراد والمعرفة الجماعية المركبة التي تتمثل في الاتجاهات (المعتقدات)، القيم والمعايير السائدة بين الجماعات، الأساطير وتاريخ المنظمات والطقوس الجماعية"، فحسب Peter وwaterman تمثل هذه الأخيرة المفاهيم والمعاني المسيطرة أو السائدة في المؤسسة والقيم المشتركة، أما deal وKennedy يعرفانها بكونها تتعلق بتماسك و انسجام القيم والأساطير والبطولات والرموز التي تنتجها المؤسسة، ويرى إيليو جاك)  (ELLIOT JACQUES أن:" ثقافة المؤسسة هي طريقة التفكير والسلوك الاعتيادي والتقليدي، وتكون مقسمة ومشتركة بين أعضاء المنظمة وتعلم شيئا فشيئا للأعضاء الجدد من أجل قبولهم في المنظمة" ،أما Hélene Denis يعرفها في كتابه "استراتيجيات المؤسسة و عدم التأكد مع المحيط" أنها:" تلك المجموعة التي تربط كل من طريقة التفكير، الشعور، الحركة بطريقة مقننة (متعارف عليها), حيث تتقاسم و توزع بواسطة أغلبية الأفراد، و أن هذه الطرق تركب هؤلاء الأفراد في مجموعة متعاونة خاصة و متميزة".
هذا التعريف واسع جدا، حيث أن الثقافة التنظيمية هي التي تربط ببين الأفراد فيما يخص تصرفاتهم و إحساسهم و ذكائهم، هذا الارتباط الذي تبنيه الثقافة هو في نفس الوقت موضوعي، بمعنى يمكن للثقافة أن تدرس، ترصد من طرف ملاحظ خارجي من المحيط، و في نفس الوقت رمزي أي بالمستوى الذي يأخذ ويوزع بين أفراد الجماعة، إذن هناك اشتراكية داخل المؤسسة، وحسبJeun Langatte, Jaques Muller,  في كتابهما "اقتصاد المؤسسة"، عرفا الثقافة التنظيمية على أنها: "تتكون من مجموع مفاهيم المديرين, اتجاهاتهم (المعتقدات)، القيم الاجتماعية الموجودة لدى أفراد المؤسسة".
نستخلص من هذه التعاريف المتعددة عدة متغيرات لهذا المفهوم: فكل من مجموعة القواعد و القيم غير المكتوبة للمؤسسة و كذا "روح الجسد "كلها تعبر عن ثقافة المؤسسة.
أهمية ثقافة المؤسسة:
تمثل ثقافة المؤسسة المحرك لنجاح أي مؤسسة، فالثقافة تلعب دورا في غاية الأهمية في تماسك الأعضاء، والحفاظ على هوية الجماعة وبقاءها؛ فالثقافة أداة فعالة في توجيه سلوك العاملين ومساعدتهم على أعمالهم بصورة أفضل، من خلال نظام القواعد واللوائح غير الرسمية والموجودة بالمؤسسة والذي يوضح لأفرادها وبصورة دقيقة كيفية التصّرف في المواقف المختلفة، وذلك في ضوء ما هو متوقع.
يرى كل من Pederson & Scrensen أن للثقافة أربع وظائف، وهي كالتالي:
1. تستخدم الثقافة كأداة تحليلية للباحثين، حيث تساهم نماذج الثقافة في فهم التنظيمات الاجتماعية المعقدة.
2. تستخدم الثقافة كأداة للتغيير ووسيلة من وسائل عمليات التطور التنظيمي.
3. تستخدم الثقافة كأداة إدارية لتحسين المخرجات الاقتصادية للمؤسسة، وأيضا لتهيئة أعضاء المؤسسة اجتماعيا لتقبّل القيم التي تحددها الإدارة.
4. تستخدم الثقافة كأداة الحس الإدراكي لدى أعضاء المؤسسة عن البيئة الخارجية المضطربة.
كما نجد Wagmen يرى بأن الثقافة تستخدم في تحقيق أربع وظائف هي:
1. تحديد هوية المؤسسة وإعلامها لجميع الأعضاء، حيث ساهم في خلق العادات والقيم، وإدراك الأفراد لهذه المعاني يساعد على تنمية الشعور بالهدف العام.
2. نمو الغرض العام عن طريق اتصالات قوية وقبول الثقافة المكتسبة.
3. ترويج استقرار النظام من خلال تشجيع الثقافة على التكامل والتعاون بين أعضاء التنظيم وتطابق الهوية.
4. توحيد السلوك، أي حدوث الأشياء بطريقة واحدة بين أعضاء المؤسسة، وفهم المعاني بمفهوم واحد يخدم ثقافة المؤسسة وينسق السلوك في العمل.
خصائص الثقافة التنظيمية و أنواعها:
أولا: خصائص الثقافة التنظيمية:
هناك مجموعة من الخصائص التي تتصف بها ثقافة المنظمة وهي كما يلي:
تعتبر الثقافة عملية مكتسبة أي تكتسب من خلال التفاعل والاحتكاك بين الأفراد في بيئة العمل، وقد تكتسب الثقافة في المدرسة والعمل، وعندما يكتسبها الفرد في المنظمة تصبح جزء من سلوكه ومن خلال الثقافة نستطيع أن نتنبأ بسلوك الأفراد معتمدين على ثقافتهم.
- ثقافة المنظمة عملية إنسانية حيث يعتبر الإنسان هو المصدر الرئيسي لها أي أنها من صنعه وبدونه لا تكون هناك ثقافة.
- الثقافة نظام تراكمي ومستمر حيث أن كل جيل من أجيال المنظمة يعمل على تسليمها للأجيال اللاحقة فهي تعلم وتورث جيلا بعد جيل.
- ثقافة المنظمة نظام مركب يتكون من مجموعة من المكونات أو الأجزاء الفرعية المتفاعلة فيما بينها في تكوين ثقافة المنظمة وتشمل العناصر التالية:
*الجانب المعنوي: ويتمثل في الأخلاق والقيم والمعتقدات والأفكار التي يحملها الأفراد،
* الجانب السلوكي: ويتمثل في عادات وتقاليد أفراد المجتمع، الآداب والفنون والممارسات المختلفة.
*الجانب المادي: وهو كل ما ينتجه أفراد المجتمع من أشياء ملموسة.
ثانيا: أنواع الثقافة التنظيمية:
أغلب الكتاب في هذا الموضوع يركزون على وجود علاقة مباشرة بين الثقافة والنجاح الاقتصادي، غير أن النظريات في هذا المجال قلما تتفق على تحديد هذه العلاقة من حيث توضيح أنواع الثقافات وخصائصها التي تحقق هذا النجاح و كيفية تحقيقه، إلا أنه عموما يمكن تصنيف ثلاث أنواع من هذه الثقافات:
1-الثقافات القوية
لقد أبرزت بعض النظريات (GEER Hofstede, 1980), و (Philip selznik, 1957) وجود ارتباط وثيق بين قوة الثقافة و الكفاءات الممتازة، في مؤسسة ذات ثقافة قوية يشترك أفرادها في مجموعة من القيم و السلوكيات المتماثلة كما يستوعبها العمال الجدد بسرعة.
يمكن ملاحظة أن النمط أو الأسلوب وقيم الثقافة القوية تبقى وتضل ثابتة وتعتبر في حالة التغيير ركنا أساسيا في هذه العملية، إن الثقافات القوية تمارس تأثيرا إيجابيا على كفاءات المؤسسة وذلك لأنها تساهم في تحفيز العمال، بمجرد احترام نفس القانون أو نفس دستور القيم والقواعد المشتركة مما يجعل الأفراد في حالة إشباع أو رضا ذهني يزيد من حماسهم في العمل؛ تعتبر مشاركة الأفراد في اتخاذ القرارات ونظام المكافئات أمثلة معبرة على بعض التطبيقات التي تمليها الثقافة لتثمين العمل.
إن المؤسسات ذات الثقافة القوية ترتكز على مجموعة من المبادئ والتطبيقات الواضحة والمحددة، وتتمتع الثقافة القوية بمجموعة من الخصائص نذكر منها: الثقة: تشير الثقة إلى الدقة والتهذيب ووحدة الذهن و التي تعتبر عاملا مهما من عوامل تحقيق إنتاجية مرتفعة، الألفة والمودة: يمكن للألفة والمودة أن تتأتى من خلال إقامة علاقات متينة وحميمة مع الأفراد داخل المنظمة من خلال الاهتمام بهم و دعمهم و تحفيزهم، إضافة إلى بعض الخصائص التي تتسم بها الثقافة القوية نوردها فيما يلي:
-تشجيع وتحفيز النزعة نحو التصرف، مع التأكيد على الاستقلالية والمبادأة، وتشجيع الموظفين على تحمل المخاطرة، أنها تنبثق عن طبيعة رسالة المنظمة، ويتعين عليها أن تركز جهودها فيما تجيد من عمل وإقامة علاقات وثيقة مع العملاء كوسيلة لتحسين وتعزيز مركزها التنافسي من خلال التركيز على قيم التوجه بالمستهلك.
-إرساء تصميم تنظيمي من شأنه أن يحفز الموظفين على بذل أفضل ما لديهم بغية تعظيم الإنتاجية من خلالهم، وأن احترام الفرد يمثل الوسيلة الأساسية التي يمكن للشركة من خلالها استحداث البيئة السليمة للسلوك الإنتاجي.
2-الثقافة الضعيفة:
هي الثقافة التي لا يتم اعتناقها بقوة من أعضاء المنظمة ولا تحظى بالثقة والقبول الواسع من معظمهم، وتفتقر المنظمة في هذه الحالة إلى التمسك المشترك بين أعضائها بالقيم والمعتقدات، وهنا سيجد أعضاء المنظمة صعوبة في التوافق والتوحد مع المنظمة أو مع أهدافها وقيمها، ففي حالة الثقافة الضعيفة يحتاج العاملون إلى التوجيهات وتهتم الإدارة بالقوانين واللوائح والوثائق الرسمية المكتوبة، كما تتجسد في نظم الإدارة الأوتوقراطية ونمط الإدارة العائلي والسياسي وفيها تنخفض الإنتاجية ويقل الرضا الوظيفي لدى العاملين، كما قد يتم فيها الشعور بالغربة عن الثقافة والمجتمع والمحيط وهي ظاهرة الاغتراب الاجتماعي ، حيث تبدو القيم والمعايير الاجتماعية السائدة عديمة المعنى للفرد، ويشعر الفرد بالعزلة والإحباط.
إذن فالثقافة التي تحترم النسق أو تتماشى مع مرحلة الاستراتيجية المعتمدة هي الوحيدة التي تضمن نتائج ذات دلالة، فوجود تلاؤم أو توافق كبير يؤدي إلى تحقيق كفاءة مرتفعة و وجود توافق ضعيف يؤدي إلى تحقيق كفاءة ضعيفة ، فحسب أعمال Gordon don Aldson و Jay Locsch  التي تتميز بغزارة فوائدها في هذا الموضوع توصلا إلى الملاحظات التالية لعدة شركات أمريكية :
المؤسسين الأوائل للشركة تقودهم بصيرة واضحة لمؤسستهم، فهم يخلقون ثقافة منسجمة على المستوى الداخلي تتفق مع البيئة المتواجدة فيها المؤسسة.
3-الثقافات المتطوّرة:
إن هذه الثقافات هي الأخرى تهتم بمشكل التكيف و يتمثل منطق هذه النظرية في ضمان النجاح الدائم و المستمر للمؤسسة في كونها تساعدها في توقع التغييرات و التكيف معها.
يذهب أصحاب هذه النظرية دائما إلى دراسة الثقافات الصارمة والجامدة لمحاولة تحديد خصائص الثقافات المتطورة واستخلصوا من ملاحظاتهم أن الثقافات الصارمة هذه هي ثقافات من النوع البيروقراطي، فالأفراد لا يشتركون في الأحداث ويرفضون تحمل الأخطار ولا يملكون روح الإبداع وكذا سوء تنقل المعلومة، وتتميز كذلك بالإفراط في المراقبة مما يجعلها مثبطة للحوافز ومكبتة للحماس، مما جعلهم يستخلصون أن الثقافات المتطورة تختلف في خصائصها مع النمطين السابقين، لقد وصفRalph Khilman  الثقافات المتطورة بأنها تلك الثقافة التي ترتكز على فلسفة المنظمة وتصورات ترتكز على تذوق الخطر، وترتكز كذلك على الثقة وحب العمل، فالأفراد في هذا النوع من الثقافات يشتركون ويوحدون جهودهم لحل المشاكل و تنفيذ الحلول بشكل تلقائي.
يرى Tom Peters أن الثقافة المتطورة هي التي تعتمد على الزبون ويفسر الثقافة من منظور المستهلكين وبالتالي هي دائما تدخل تغييرات مستمرة لأجل تحقيق ذلك وهو ما يسمح للمؤسسة بالتطور، والمؤسسة حسبKotter  لا يمكنها أن تتكيف مع التغيير إلا إذا أخذت بعين الاعتبار مصالح هذه الفئات الثلاث من هذه العناصر الفاعلة و هذا لا يتحقق بدوره إلا بفضل قيادة قوية للمؤسسة مما يحقق بدوره كفاءة اقتصادية عالية.
مكونات ثقافة المؤسسة:
تعتبر الثقافة التنظيمية نظاما يتكون من مجموعة من العناصر أو القوى التي لها تأثير شديد على سلوك الأفراد داخل المنظمة، والتي تشكل المحصلة الكلية للطريقة التي يفكر ويدرك بها الأفراد كأعضاء عاملين بهذه المنظمة، والتي تؤثر على أسلوب ملاحظة وتفسير الأشياء بالمنظمة، وتتمثل هذه العناصر (المكونات) في:
1-      القيم: وهي ما يتعلق بالأفكار والمعتقدات والفلسفة التي يقتسمها الأفراد وتقود سلوكياتهم لتحقيق الانسجام الذي يعكس كفاءة المؤسسة التي من شأنها خلق قيمة أساسية تساهم في تعبئة كل الطـاقات على كافـة المستويات ويعتبرها WATERMANوPETER أساس النجاح الدائم والمستمر، أما MAURICE THEVENET فيعتبر القيم تلك التي تسمح لكل الأفراد بتقييم الأشياء أو الحكم عليها والتأثير فيها كما تنشأ أيضا من التجارب المعاشة للفرد في الجماعات التي ينتمي إليها، يمكن أن تتخذ القيم شكلين هما:
شكل قولي: و هي تلك التي تبرز في خطابات المؤسسة، شكل غير قولي: و هو ما يبرز في باقي متغيرات المؤسسة أي في باقي نشاطاتها.
2-     القيم : تساهم القيم في تفسير وتوجيه وكفاءة السلوك التنظيمي للفرد وللجماعة، كما يمكن تصنيف القيم إلى صنفين في المؤسسة: القيم المصرح بها والقيم العملية هي الأكثر أهمية لارتباطها بالمنظمة وبالتسيير، حيث تقوم القيم التنظيمية بتوجيه سلوك العاملين في بيئة العمل، ضمن الظروف التنظيمية المختلفة، ومن هذه القيم المساواة بين العاملين، والاهتمام بإدارة الوقت، والاهتمام بالأداء واحترام الآخرين.
3-      المعتقدات: وهي عبارة عن أفكار مشتركة حول طبيعة العمل والحياة الاجتماعية في بيئة العمل، وطريقة إنجاز الأعمال والمهام التنظيمية، ومن هذه المعتقدات نجد المشاركة في عملية صنع القرارات، والمساهمة في العمل الجماعي وأثر ذلك في تحقيق الأهداف التنظيمية.
4-      الأعراف والتوقعات: يقصد بالأعراف تلك المعايير المدركة وغير الملموسة التي يلتزم بها العاملون داخل المنظمة، أما التوقعات التنظيمية فتتمثل في التعاقد السيكولوجي غير المكتوب والذي يعني مجموعة من التوقعات يحددها أو يتوقعها الفرد أو المنظمة كلا منهما من الآخر خلال فترة عمل الفرد في المنظمة، مثال ذلك توقعات الرؤساء من المرؤوسين، والمرؤوسين من الرؤساء، والزملاء من الزملاء الآخرين والمتمثلة بالتقدير والاحترام المتبادل، وتوفير بيئة تنظيمية ومناخ تنظيمي يساعد ويدعم احتياجات الفرد العامل النفسية والاقتصادية.
5-      الرموز:يمثل الرمز علاقة خاصة بمعلومة تتعلق بالنظام الثقافي كنمط اللباس، المكافآت والعلاقات التي تميز نظام المشاركة في النشاط الرمزي للمؤسسة ويبرز تطور الرموز والإشارات إلى درجة تصبح مشابهة للثقافة أحيانا، تمثل الرموز مرجعية المؤسسة في تكيفها وتلاؤمها مع البيئة فالرمز ذلك الذي يحمل في طياته معنى معين وتبرز الرموز في عدة مجالات: تبرز من خلال الهيكل التنظيمي، فهي تميز النظام العام للمؤسسة كما تعكس المستوى الحضاري للمؤسسة، تبرز في أساليب ظهور المؤسسة اتجاه البيئة الخارجية، في قوانين السلوكيات الداخلية للمؤسسة، في تهيئة و ترتيب الفضاء المكاني، و في خطابات المؤسسة.
6-      الطابوهات (الممنوعات): وهي ما تود المنظمة إخفاءه ورفضه وتعني المواضيع التي يجب عدم الخوض فيها أو الكلام عنها أو تداولها داخل المنظمة، وهي نتاج لتجارب مأساوية مرت بها المنظمة، كإخفاقات تجارية، مدير فاشل، والتي من شأنها إحداث اضطراب في صورة العاملين داخل المنظمة وكذا الصورة الخارجية للمنظمة مما قد يؤثر سلبا على أداء العاملين والمنظمة ككل.
7-      الأساطير:تعتبر الأسطورة رواية من تمثيل أشخاص خياليين  ويمكن تعريفها بأنها:" المعتقدات المشبعة أو المحملة بالقيم والمبادئ التي يعتنقها الناس والتي يعيشون بها أو من أجلها ويرتبط كل مجتمع بنسق من الأساطير بعيد عن الصورة الفكرية المعقدة التي تتضمن في الوقت نفسه كل النشاط الإنساني" فهي عبارة عن أحداث ماضية، الهدف منها نقل أو تدعيم بعض القيم لدى عمال المؤسسة، فهي تحمل تعليما لأفراد المنظمة في شكل صور مثالية عن أشخاص غير محددين سبق لهم أن حققوا نتائج مرضية بالمنظمة، ويسمى الأشخاص الذين تنسب إليهم هذه الأساطير بأبطال المنظمة.
8-      الطقوس أو الشعائر:إن الرموز تولد الطقوس بشكل يجعلها تحقق: تطوير الشعور بالانتماء للمؤسسة، إعطاء أهمية للأحداث التي تحمل القيم الأساسية، تثبيت و بقاء الثقافة و ذلك لتفادي التقلبات الناتجة عن تقلب الأنماط.
تخص الطقوس حجم معين من الأفعال اليومية وهو ما يجعل أغلب النشاطات اليومية يمكن أن تكون شعائرية، كل من طريقة الكلام والكتابة وكيفية مقاطعة محادثة ومناداة الأفراد وكذا طريقة تحضير وتسيير الاجتماعات كلها عناصر بإمكانها أن تقنن اكتساب قيمة شعائرية؛ كما تعتبر بعض الأفعال من أفضل الشعائر في المؤسسة وتعتبر كعمود ممتاز في تثبيت الثقافة منها الوجبات الجماعية التي تتناول في المؤسسة من طرف المسئولين مع مرؤوسيهم وكذا الخرجات الجماعية للمطاعم للإطارات مع نواب مدراءهم، كما تعتبر أيضا التجمعات مواقع وأماكن شعائرية غنية بالمعاني كممارسة الرياضة الجماعية في نهاية الأسبوع مثلا ولقد أوصى Peter وwaterman بالعودة إلى هذه الممارسات كونها تعطي وتبرز قيمة كبيرة وبشكل بارز للقيم الأساسية للمؤسسة.
9-الإشاعات:من التشكيلات الرمزية لثقافة المنظمة نجد الإشاعات والتي تعتبر أخبارا لا أساس لها من الصحة، تكون في شكل سيناريوهات خيالية توفر نوعا من الترويح وإزالة القلق وحالة عدم اليقين لدى العاملين في المنظمة، وهي تعتبر نوعا من الأساطير المتداولة يوميا في المنظمة.
ثقافة المؤسسة وأثرها على الأداء:
لقد دلت الدراسة التي قام بها الباحثون على ضرورة أن يتمتع كل منهج متميز للتنظيم على سبعة متغيرات على الأقل: الهيكل، الاستراتيجية، الموظفين، نمط الإدارة، الأنظمة، المهارات، القيم المشتركة (الثقافة التنظيمية) وقد خلصت الدراسات إلى الأهمية القصوى للثقافة التنظيمية وتأثيراتها على تحقيق أداء مميز ويمكن تلخيص هذه الأهمية في ما يلي :
لقد تبين أن المنظمات التي ركزت على الأهداف المادية والمالية لم تحقق النجاح بنفس المستوى الذي حققته المنظمات التي ركزت على إرساء ثقافة تنظيمية قوية وتحديد مجموعة من الأهداف والقيم تعطيها المكانة البؤرية في التعامل.
تؤثر الثقافة التنظيمية على تصميم الهيكل التنظيمي والتي لها القدرة على تنميط الأداء، تؤثر الثقافة التنظيمية على كفاءة العمل الإداري، وجعل القائد يعمل على إيجاد الرموز والقيم والأساطير واللغة والمعتقدات إلى جانب الجوانب المادية والملموسة للمنظمة، إيجاد نوع من الاستقلالية لدى العاملين تمكنهم من الإبداع والابتكار مما يؤثر على كفاءة أدائهم، مما سبق يتضح لنا جليا أن الكثير من السمات السابقة يمكن أن تمثل نوعا من القوة الدافعة للأفراد والمنظمة إضافة إلى التأثير الواضح للثقافة التنظيمية على الممارسات الإدارية خاصة تلك المرتبطة بالأفراد في مقدمتها وظيفة التوجيه.
ثقافة المؤسسة والتغيير:
إن نقطة البداية في التغيير هي تحديد جوانب السلوك والأداء المتوقع ودفعها داخل أرجاء التنظيم، بناء على تشخيص دقيق للوضع الحالي للإطار الثقافي، من خلال تحليل سلوكات الأعضاء والطرق التسييرية، وعلى ضوء النتائج المتوصل إليها يجري التفكير في أنسب الطرق لإحداث تغيير يساعد على تجديد نظام القيم السائدة وإحلالها بقيم وثقافة وقائية تكون معدة لتتلاءم مع التحولات المستمرة.
تعتبر عملية التشخيص الثقافي خطوة أساسية لمعرفة مستوى الثقافة السائدة بغية تدعيمها أو تصحيح وعلاج الأخطاء الثقافية أو تغييرها كليا.
يهدف التشخيص الثقافي إلى فهم شامل لكل ما يهم المؤسسة ووجودها، مما يستدعي الرجوع إلى الخبرات والتجارب الماضية، إلى مهنتها الحقيقية، لنسق قيمها… وذلك بهدف التعرف على الحلول الاستراتيجية المناسبة التي استعملتها المنظمة في الماضي بنجاح، إضافة إلى الاكتشاف السريع والذكي للأمراض التنظيمية وتدعيم المناعة التنظيمية التي يكون من شأنها بناء مناخ تنظيمي إيجابي.
إن التشخيص الكامل يتعرض لجميع العناصر الداخلية (المتعلقة بالبيئة الداخلية للمؤسسة)، والخارجية ( البيئة الخارجية ) وفق:
   - تقييم مدى صحة المنطلقات للثقافة التنظيمية السائدة.
   - تقييم مدى شمول وتكامل وظائف الثقافة التنظيمية.
   - تقييم قابلية الثقافة التنظيمية لتطوير وظائف جديدة تتناسب مع التغيرات في البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، إن التغيير يحتاج إلى بيئة ديموقراطية شفافة مدعمة لآليات التنافس مع العمل على خلق جيل جديد وقيم ثقافية جديدة في إدارة المؤسسات، جيل يؤمن بضرورة التغيير وبالمبادئ التي يريدون ترسيخها داخل المؤسسة، جيل يملك التخيل والتفكير الاستراتيجي والابتكار والمبادرة، جيل له الاستقلالية وروح المنظم والاعتماد على النفس، الحاجة العالية للإنجاز، الميل إلى المخاطرة، متحر الفكر، ولابد أن تنعكس هذه القيم على أدائه وعلى سياسة المؤسسات التي يعمل بها كمدير أو منظم.
مقاومة الموارد البشرية لتغيير ثقافة المؤسسة:
يمثل التسيير بالقيم طريقة واضحة لإدخال التغيير الثقافي بالمؤسسة، غير أن إعطاء الوقت غير الكافي للموارد المتعلقة بالجوانب الإنسانية الخاصة بطريقة التفكير والتسيير للاستجابة تعتبر من أكبر الأخطاء التي تشترك فيها أغلب المؤسسات التي تعرف تغيرات كبرى.
إن الكلام عادة عن تسيير أو إحداث تغيير تنظيمي عموما وإحداث التغيير الثقافي من خلال التسيير بالقيم إنما يعني بصورة خاصة مقاومة التغيير، فإذا لم توجد أية مقاومة فهذا يعني أنه لا يوجد تغيير نسيره، ومنه يمكن القول أن إحداث التغيير يستوجب فرض القيم والمعتقدات من الأعلى أي من القمة وتوفير الشروط الانفعالية والسياسات التي تسمح بالتغيير أو بتخفيض العراقيل، وتنعكس مقاومة التغيير في عدة مظاهر منها القلق، والتصرف بعدوانية، والإضرابات، وعموما تظهر مقاومة التغيير إما في شكل مقاومة ضمنية كفقدان غير مباشر للتحفز، أو شكل مقاومة مؤجلة قد تظهر بعد أسابيع أو بعد سنوات، مما يتطلب في هذا الشكل يقظة كبيرة لأنه يعتبر أصعب شكل للمقاومة من حيث التمييز.
يبرز اهتمام المسيرين بشكل جدي بمقاومة التغيير من خلال الاستماع للعناصر المضادة، وتحليل استجابة الأفراد و تقبل الانتقادات البناءة، كما لا يجب أن تؤخذ أبدا بأنها انتقادات منافية للصواب أو سيئة النية،  لقد اكتشف لوين Lewin  نوع جيد لحل المشاكل التي تختص بـ"الفعل بالتعلم" وتعتبر العبارة المفضلة التي تلخص تماما جهوده العلمية "إن أكثر ما يمكن تطبيقه هو بعض أحسن النظريات" ونوجزها في ما يلي:
مراحل التغيير: من بين أهم إسهامات لوين Lewin هو تحليله لمراحل التغيير الثلاث والتي أصبحت إحدى النظريات الكلاسيكية للتغيير.
فعملية التغيير المخططة تتضمن ثلاث مراحل: الذوبان، التغيير، الاستقرار كما لقد شبه لوين Lewin المقاومة بكتلة جليدية حيث يجب على مسئولي التغيير إذابة الاتجاهات والمشاعر التي تعيق التغيير الحقيقي، أما المرحلة الثانية فهي صدمة إعادة هيكلة لتغيير السلوك، وهذا بتوفير عمليتين مشجعتين لنجاح ذلك هما: اكتشاف الفرد لمحيطه من خلال الحصول الدائم على معلومات صحيحة بشكل مستمر، ثم عليه بعد ذلك تحديد مختلف طرق الفعل أو التصرف، وبمجرد ما يستقر مشروع التغيير يصبح من الضروري وجود قواعد وأفعال نهائية بدلا من قواعد وأفعال مؤقتة، وفي المرحلة الثالثة وتعتبر مرحلة تكوين أو إنشاء التغيير.
بعض النماذج حول ثقافة المؤسسة:
1- النموذج الناجح – اليابان-
       إن معدل دوران العمل في المؤسسة اليابانية ضعيف جداً, و أيضا الميكانيزمات الاجتماعية والاقتصادية موجودة داخل المؤسسة, أين نجد:
-       اليد العاملة المؤهلة يحتفظ بها.
-       الرغبة الموجودة عند العامل مرتبطة بمؤسسة و فقط, بمعنى أن أي مؤسسة أخرى لا تتحمل الخطر في أن توظفه ( المستهلك الياباني غيور على المنتج).
-       لا توجد انفرادية في المؤسسة, أي المصلحة العامة تغلب على المصلحة الخاصة.
-       هناك علاقات من نوع أبوي.
-       إعطاء أهمية كبرى للاجتماعات الغير رسمية و تبرز الأهمية في:
-       أداة للتحكم في عدم التأكد من المعلومات.
-       الفرد داخل التنظيم رسمي يكون وفيُُُ في مقارنة مع وجوده في التنظيم الرسمي.
-       فيما يخص أخذ القرار, المسير في المؤسسة اليابانية لديه نسبة قليلة جداً فيما يخص أخذ القرار, و أن القاعدة في أخذ القرارات تكون عموماً من طرف الجماعة, لا فردياً.
-       لا يوبخ الفرد في حالة أخذه لقرار غير صائب.
-       القرارات تأخذ بمراحل, و هذا ما يفسر طول فترة انتظار.
-       هناك مستخدمين بالعقود, مثلا مؤقتين, تحت المعالجة (soutraitance), فرعيين ومستخدمين دائمين، حيث أكبر نسبة تكون لمستخدمين بالعقود.
الموارد البشرية وثقافة المؤسسة:
فانه أجريت عدة دراسات و بحوث ميدانية ترتبط بتأثير الثقافة على القيادة التنظيمية من بينها بحث زمان (1989) الذي خلص فيه إلى أن المنظمات أكثر مركزية من المنظمات البريطانية و الفرنسية و شمل بحثه هذا 151 منظمة من الجزائر و بريطانيا و فرنسا، وتتميز المؤسسات بعدة جوانب مرضية منها غياب ثقافة تنظيمية قادرة على التكيف مع محيط في تحول مستمر و الاستجابة للتغيير و التعلم منه مما من شانه أن يحسن من الإنتاجية .
ينعكس التصور الثابت "الستاتيكي" الهيكلي للأبعاد التنظيمية في النقاط التالية:
-      التصور الهيكلي المفرط.
-  وضع ميكانزمات قانونية تحكم هياكل تنظيمية بدلا من أن تساهم في ديناميكية العلاقات السلوكية.
-       عملية لا مركزية اتخاذ القرارات لم تتجاوز في الواقع تفويض بالإمضاء في مجالات محدودة مما جعل عمل القادة المسيرين محدود و ضيق.
-       عدم التفريق بين "القيادة" كهيكل تنظيمي و "القيادة" كسلوك و سياق تأثير يسمح بإدخال التغيير التنظيمي بدون مقاومة جادة للأفراد.
-       غياب ديناميكية اجتماعية في العلاقات التي تربط القادة (الرؤساء) بالإنتاج.
إن هذه الصفات البارزة للسلوك التنظيمي في المؤسسة هي محصلة تطور ثقافي للمجتمع و مؤسساته الاقتصادية و هي:
- مرحلة ما قبل الاستعمار الاستيطاني - مرحلة الاستعمار الاستيطاني - مرحلة الاستقلال وما تحتويه من تشريعات وتنظيمات في مجال تنظيم المؤسسات (التسيير الذاتي، التصحيح الثوري، التسيير الاشتراكي، وما تتضمنه من تشريعات وإصدار قوانين لتسيير المؤسسات ومرحلة إعادة الهيكلة واستقلالية المؤسسات)، إن ما تميزت به هذه التغيرات التنظيمية هو تغير في القوانين وإصدارات لقرارات أي طغت على هذا التغيير كان إيديولوجي أكثر بعيدا عن معرفة ثقافة المجتمع والنماذج الثقافية التنظيمية التي بامكانها أن تحقق نجاح المؤسسات الاقتصادية
إن غياب ثقافة تنظيمية فعالة في المؤسسات قد تعتبر من بين أسباب الأزمة التي تعيشها وبالأخص على المستوى التنظيمي مما اضطر البعض منها إلى غلق أبوابه وذلك لعدم قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة على عدة مستويات مما يخلص بنا إلى القول أن الثقافة التنظيمية الفعالة هي التي تمكن المؤسسة مواكبة التغيرات والتطور الحاصل في شتى الجوانب للمنظمة ومن تحقيق التكيف مع محيطها و بالتالي تحقيق أهدافها وهذا لا يتحقق إلا بالتسيير الايجابي للموارد البشرية من خلال توجيه السلوك التنظيمي إلى تحقيق الكفاءة.
كما ظهرت قيمة "عدم إتقان العمل" في العمل و الإنتاج مما يعكس كثرة العيوب و الأخطاء في المنتجات، وظهر كذلك سلوك التظاهر بالقيم الدينية وساد عدم الاتساق بين الأقوال والأفعال وظهرت كذلك قيم لدى الرؤساء كضعف الإحساس بالمسؤولية وبذل الجهد لتظهير العمل و ظهور عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وظهرت قيمة "محاولة اغتنام الفرصة قبل ضياع الوقت"، هذه بعض القيم السلبية التي تطغى على المؤسسات لا تستثنى منها كذلك، وكشفت الباحثة قيم سلبية أخرى كثيرة ظهرت في المؤسسة العربية عموما كعدم الانضباط في العمل وغيرها من مؤشرات عدم الانتباه للعمل كما أجريت دراسات أخرى في نفس السياق أي لدراسة المظاهر السلوكية في القيادة في المؤسسة المصرية، وكما توجد بعض الدراسات حول المؤسسة كذلك التي أجراها بوفلجة غياث.
لقد كشف بوفلجة غياث في دراسة حول العوامل المؤثرة على فعالية التنظيم في المؤسسات الصناعية عن بعض المظاهر التي تعيق تحقيق الفعالية في المؤسسة ، كالنظرة التقليدية لعمل المرأة ،مسألة الاختلاط بين الجنسين في العمل و ظاهرة عدم احترام الوقت و الماضية على العمل خاصة للأفراد النازحين من الريف و كذا اعتماد أوقات فضفاضة في ضبط المواعيد (وقت الظهر، وقت العصر…الخ) و كثرة التغيب بدون سابق إنذار لظروف أسرية أو مناسبات عائلية أو مناسبات موسمية كيوم الحزن وذلك عن طريق الاستفادة بعطلة قانونية أو رخصة مرضية أو عطلة بدون مقابل كما وجد الباحث أن الغيابات تكثر أيام السوق الأسبوعية أو لوجود مباراة رياضية دولية مما بجعل هذه الأسباب كافية كأعذار للتغيب عن العمل وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المحيط الثقافي و قيم الفرد ذو اثر كبير في تحديد وجه أهمية الوقت في العمل.
كما وجد الباحث مظاهر أخرى في أوساط العمل كعدم الانضباط والصراع الموروث بين القبائل و إهمال إجراءات الأمن بسبب عدم التعود على الأعمال الصناعية والمخاطر المحيطة بها وغيرها من المشاكل أو المظاهر التي تعيق وتعقد مهمة الإدارة والمسيرين.
مما سبق نخلص إلى انه مشكلة التسيير لا يمكن فصلها عن القيم التي يجب أن نطورها نحو السلوك التنظيمي الحديث كما يتطلب تطوير المنظمات وإدارتها دراسة نسق القيم التي تحدد نجاح الأسس و المبادئ العلمية للإدارات.
إن البحوث ضئيلة جدا في ميدان دراسة نسق القيم الاجتماعية وعلاقتها بإدارة المنظمات مما يعكس نقصا ملحوظا في المعلومات الخاصة بالمؤثرات والاتجاهات الاجتماعية الثقافية المحددة للسلوك التنظيمي والتي تسمح وفقها بتكييف النظم التسييرية المستوردة من جهة وتعديل سلوك الفرد بمتطلبات التنظيم الحديث، ومنه نستنتج أن تطوير وتحديث المنظمات ونظم تسييرها وجعلها في مستوى الكفاءة والفعالية المطلوبة أمر يتحتم معرفة الإطار الفكري والاجتماعي والثقافي للفرد وتطويره ليتلاءم ويتفق مع السلوك التنظيمي الحديث.
السلوكيات البيروقراطية
إن البيروقراطية حسب تعريف فيبر Weber هي الوسيلة الحيادية للتحكم كما تتميز بالدقة لاستعمالها في خدمة أي مصلحة سياسية، اقتصادية، …الخ.
غير أن البعض ذهب إلى إن الجهاز البيروقراطي هو عبارة عن وسيلة في خدمة سلطة الدولة التي بدورها ما هي إلا سلطة الطبقة الاقتصادية السائدة أي البرجوازية بالمفهوم الواسع وهو ما ذهب إليه ماركس وأكده انجلز و تروسكي..
تصنف لمغنيه لزرق أعضاء الإدارة إلى طبقتين: البرجوازية التقنوقراطية التي تحتل المناصب العليا وأعضاء البرجوازية الصغرى التي تحتل أدنى ووسط السلم الإداري، إن وجود معارضة بين هذين الطبقتين سبب عدم الانضباط في الإدارة كما نتج أيضا عن عدم تكيف الإدارة مع النظام البيروقراطي الذي تطمح إليه عرقلة التحكم الفعال في السلطة.
كما أن المؤسسات تسودها عدة نسق معقدة أساسها العلاقات الشخصية وهي بمثابة تحالفات يصعب تحديدها تعمل داخل وخارج الجهاز الإداري الرسمي، ومنه فان التحالفات الطبقية هذه تشكل روابط ضعيفة جدا بين الإدارة ومحيطها وهي تعتبر القوانين الرسمية السائدة في المؤسسة.
ما يسود في المؤسسة هو نظام يشتكي منه كل فرد وفي نفس الوقت يشارك فيه كل فرد، فالمؤسسة قائمة على تواجد ثقافتين، واحدة حديثة والأخرى تقليدية، فالأولى أوربية تخص نخبة ذات اتجاه غربي وهي المسيطرة على جهاز الدولة، والثانية محلية تخص مجتمعا هامشيا، أما الموظف الذي يتحكم في الثقافتين فهو الذي يحاول أن يملأ الفراغ بين العقلانية الحديثة وعقلانية المجتمع الهامشي مستعملا في ذلك الثقافة التقليدية في تعامله مع المجتمع الهامشي والثقافة الغربية حين يتعامل مع رؤسائه.
إن العلاقة بين مكاتب إدارتنا هي عبارة عن تحالفات شخصية والمباشرة التي تجمع وتفرّق "المجتمع الهامشي"، هكذا تحدد وضعية الإطار في المؤسسات الوطنية بالعلاقات الشخصية مع بعض العائلات المسيطرة على هرم المؤسسات في حين لا تحدد وضعيته وفق كفاءته ومؤهلاته، إن تسيير المؤسسات يخضع لسلطة العائلات حيث مصالحها الخاصة، فكل الطاقات البشرية لا تنتمي إلى هذه التحالفات الشخصية "تهدر و تعاق" كما ترتكز أيضا هذه التحالفات على نفس الجهة، نفس المجموعة، وغيرها من التركيبات الممكنة المتواجدة على مستوى إدارة مختلفة القطاعات.
الآن يمكن القول إن سير الإدارة هو محصلة صراع ثقافتين، الثقافة الأولى وهي السائدة وهي ثقافة مجتمع مازال متمسكا بمبادئ الحياة الجماعية أين تعتبر الكلمة و علاقة الرجل لرجل هي الضمان الرئيسي لأية معاملة مهما كانت.
أما الثقافة الثانية فهي قائمة على مبادئ تتنافى مع المبادئ الجماعية فهي ثقافة المجتمع البرجوازي الأوربي الذي تسوده علاقات ذات طابع جاف وتتجرد من قيمة العلاقات الشخصية والإنسانية ومنه فانه يمكن القول أن المصالحة بين هذه الثقافتين المتصارعتين قد يكون السبيل إلى تجنب فعالية للتسيير الإداري
الخلاصة:
أن إدارة الموارد البشرية تمثل نظاما لإدارة العنصر البشري باعتباره أهم العوامل المؤثرة في تحقيق تكيف المنظمة مع المتغيرات السائدة في بيئة أعمالها، ومن ثم قدرتها على تحقيق أهدافها المحددة ودراسة الإطار الثقافي للمنظمة يساعد على فهم وتفسير سلوك الأفراد، وبسيكولوجياهم، والقيـم التي يؤمنـون بها، فـأهـميـة الوقت، السلـوك الـمنظـم، الـمثابـرة، الرغبة في الإنـجاز، الإرادة وإتقـان العمـل… كلـها سـمـات ضرورية للنجاح في أي ميـدان، وأن كيفيـة استخدامهـا تختلـف باختلاف الثقـافـات، كـل هذه المعلومات تساعـد رجال التسيير على تحليل تصرفات العمال والتنبؤ بهذا السلوك والتحكم فيه، وبنـاء كـل هذه المعطيات، يمكن لإدارة المؤسسـة رسـم السيـاسـات النـاجحة الكفيلـة بتوجيـه سلـوك الأفـراد.

ربنا يوفق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق