الأحد، 16 يونيو 2019

نشأة وتطور علم إدارة الأعمال


يعد علم إدارة الأعمال من العلوم حديثة النشأة في مجال الإدارة والاقتصاد ولكن مفهوم الإدارة قديم تاريخيا ، فهو يستند أساسا إلى سلطة الرؤساء وخضوع المرؤوسين لهم.
وقد طبقت شركات ضخمة عريقة الأصول مفهوم الإدارة في تنظيماتها من أجل تنسيق العمل في دوائرها ، وكان النظام الإقطاعي منذ العصور القديمة يقوم على التنظيم المتسلسل "الخطي" ، ويمكن القول إن تنظيم أكثر المشاريع الصناعية التي قامت قبل القرن العشرين كان من هذا القبيل.
فمالك العمل هو مديره ومدبره ، وقد تبلغ سلطاته مبلغ حق الملوك المقدس ، وهو صاحب الأمر والنهي في مشروعه ، وقد يتخطى بأوامره مراتب جميع موظفيه سواء كانت أوامره صحيحة أم غير صحيحة ، وقد يستعين هذا المالك ببعض أفراد أسرته أو أقاربه في إدارة شركته إذا تجاوزت في حجمها حدود طاقته.
وكانت كل القرارات الإدارية وتنظيمات العمل تقوم على أساس الخبرة الشخصية والتجربة والحدس.
وقد أدت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر إلى نمو حجم الاستثمارات الصناعية الفردية والشركات الصغيرة وإلى مضاعفة رأس المال الضروري لتمويلها ، وفرضت الصناعة ازدياد الطلب على الأموال إلى درجة لم يعد في وسع المصادر المالية للأفراد والأسر توفيرها ، فذهبت الشركات الصناعية إلى بيع أنصبة من مشروعاتها إلى الجمهور في صورة أسهم ، وأقرب الأمثلة إلى الذهن في هذا المجال تلك الإمبراطوريات الصناعية التي أقامها رجال مثل "هنري فورد" أو "أندرو كارنيجي" أو "جون روكفلر" إلا أنه في سياق التطور التاريخي للنظام الرأسمالي ، ومع اتساع الملكية العامة للشركات والمشاريع الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تحولت هذه الشركات من الملكية الفردية إلى ملكية جماعية يستحيل - عمليا - إدارتها من مالكيها ، وصار التقليد المتبع هو إدارتها عن طريق مجلس إدارة ينتخبه أصحاب الأسهم.
وهكذا أصبحت الإدارة مهنة مستقلة ، وصارت الحاجة ماسة إلى وجود مديرين متفرغين يسيرون العمل ويوجهونه ، كما ظهرت الحاجة إلى وجود بنية هيكلية يعتمد عليها المديرون في عملهم الإداري.
ويؤلف المديرون التنفيذيون والموظفون الكبار في الشركات الضخمة ما يعرف اليوم باسم "الإدارة العليا" ويليهم في المرتبة جماعة الموظفين والإداريين التنفيذيين التي تؤلف ما يمكن أن يطلق عليها مهمة تنفيذ سياسة الإدارة العليا وقراراتها وتوجيهاتها ، ويأتي في المرتبة الثالثة فئة هي أقرب إلى الإنتاج الفعلي من سابقتيها ، وتضم المشرفين ، ورؤساء المشاغل "الورش" ورؤساء وحدات العمل ، وثم الذين يتولون الإشراف المباشر على سير العمل وتنفيذ جدول الأعمال اليومي المقرر.
ولما كانت الإدارة في الشركات الكبيرة تضم أفرادا كثيرين ومن مستويات مسؤولية مختلفة فقد وجب على المدير أن يثبت جدارته وكفايته في عمله ، وكان ذلك من دواعي الاهتمام بالطرائق العملية التي يمكن أن تبين مدى نجاح المدير أو إخفاقه.
وقد تمخضت جهود الكثير من المديرين المبدعين ورواد حركة الإدارة العلمية عن ولادة علم جديد هو علم إدارة الأعمال وتعود بدايات هذا العلم إلى أواخر القرن التاسع عشر ، وهو يعد علما أمريكي النشأة ، لأن أكثر مدارسه ومذاهبه وبحوثه التطبيقية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية ، وطورت على يد علماء ورجال أعمال أمريكيين ولم يكن "فريدريك وينسلو تايلور" أول من دعا إلى تطبيق الطرائق العلمية في الإدارة ، إلا أنه ، لا شك ، ترك أعظم الأثر في هذا الميدان.
كذلك أسهم "فرانك جيلبرت" في ميدان الإدارة العلمية في دراساته حول الزمن والحافز التي سعى فيها إلى بيان الطرائق المثلى لبلوغ الفاعلية القصوى في كل عمل صناعي ، ومع أن الخبراء والمهندسين الصناعيين يستطيعون تحسين الإنتاج في أية شركة ، إلا أن المدراء هم أفضل من يحدد الطرق الناجحة لتنسيق العمل في الشركات الضخمة.
يرتكز علم إدارة الأعمال اليوم على قواعد ونظريات ومبادئ خاصة به ، وما زال بعض هذه القواعد والنظريات موضع جدل بين عدة اتجاهات لم تتوصل بعد إلى رأي واحد حول مفهوم الإدارة بالمعنى العلمي - التقني الموائم للتطور المعاصر.
ويسعى علم الإدارة في الوقت الراهن إلى التوفيق بين القيم الإنسانية ومتطلبات التطور التقني ، وتحليل سلوك العوامل المؤثرة في الإنتاج والبيئة الداخلية للتنظيم ، والتحكم بذلك السلوك في إطار العلاقة التي تربط تلك البيئة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتقنية في العالم الخارجي.
ومع ضخامة الإنجازات العلمية والنفسية الاجتماعية والمعلوماتية التي حققتها مدارس الفكر الإداري من أجل تشارك السبل لممارسة التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة على مستوى المشروع أو التنظيم ، فإن علم إدارة الأعمال ما زال يسعى إلى طرح نظرية يمكن أن تطبق على كل الوظائف الإدارية في مختلف مستوياتها وفي جميع أنواع المشروعات والتنظيمات.
ورجال الإدارة من أكثر أفراد المجتمع دخلا ، فهم يتلقون أجورا مرتفعة نسبيا وقد يمنحون حصصا أو أسهما في الشركات التي يديرونها.
وقد يحتل الموهوبون منهم مكانة مرموقة خارج عالم الأعمال ، وربما اختيروا لشغل مناصب مهمة في الحكومة ، وهذا ما يدفعهم إلى اكتساب مهارات سياسية ودبلوماسية لكي يظلوا فاعلين في مناصبهم.
والإدارة ليست قاصرة على مجتمع الاستثمارات الرأسمالي أو البرجوازي ، فهي ضرورية كذلك في المجتمعات الاشتراكية والشيوعية لأن من يدير معملا في دولة اشتراكية سيواجه مشكلات كثيرة لا تختلف عن تلك التي يصادفها مدير في دولة رأسمالية ومع أنه قد لا يحقق أرباحا بالمفهوم الرأسمالي ليحتفظ بوظيفته فإن من واجبه أن ينسق بين مصادره المختلفة ليقدم إنتاجا أو خدمة مقررة ، ويتم تقييم عمله ومدى نجاحه فيه على أساس الزمن والوسائل والمواد التي يحتاج إليها للوصول إلى النتيجة المرجوة ، ولما كان عمله ضروريا على هذا النحو فهو يحصل على مكافأة عن هذا العمل في صورة أجر أو ميزات اجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق