الخميس، 28 يونيو 2012

الانحرافات الوظيفية


مقدمة :
إن النفس البشرية يعتريها الخطأ والنسيان، واتباع الشهوات والوقوع في الشبهات والزلل والانحراف عن الطريق المستقيم. ولذلك حذرنا المولى عز وجل من الوقوع في مزالق الانحراف واتباع الهوى وطريق الضلالة.
والوظيفة سواءً كانت عامة أو خاصة هي أمانة قد أؤتمن عليها المسلم، ووجب عليه أن يؤدي حقها ويراعي واجباتها، لكن الواقع المشهود لحال الناس يظهر التورع البسيط والاهتمام الضعيف بحقوق الوظيفة العامة والخاصة، مما ينشأ معه أشكال الانحرافات المتعددة, وهنا نلقي الضوء على أبرز الانحرافات التي يغفل عنها الموظفون، وقد يقع في فخها الكثيرون جهلاً وغفلة واتباع هوى.

ما هو الانحراف الوظيفي ؟
يمكن تعريف الانحراف بأنه كل سلوك يترتب عليه انتهاك للقيم والمعايير التي تحكم سير المجتمع، سواء كانت هذه القيم والمعايير معلومة أو غير معلومة, والفعل المنحرف يترتب عليه إلحاق الأذى والضرر بالآخرين وممتلكاتهم الخاصة والعامة.
ويتضح من هذا التعريف أن الانحراف الوظيفي قد يكون انتهاكاً للقوانين والقواعد واللوائح التي تحكم علاقة الأفراد بعضهم ببعض، أو بعضهم بالمنشأة العامة أو الخاصة، أو يكون الانحراف انتهاكاً للعادات والقيم والتقاليد التي تحكم علاقة الأفراد بعضهم ببعض أو بعضهم بالـمنشأة أو البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد ذو السلوك المنحرف .
ويمكن أن تقسم مظاهر الانحراف إلى أربعة مظاهر هي : الانحرافات التنظيمية ، والانحرافات السلوكية ، والانحرافات المالية ، والانحرافات الجنائية . وسنستعرضها تباعاً فيما يلي :

المجموعة الأولى : الانحرافات التنظيمية :
يقصد بالانحرافات التنظيمية تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف أثناء تأديته لمهام وظيفته والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل وانتظامه، ومن أهمها :
1) عدم احترام وقت العمل :
هناك صور مختلفة لعدم احترام وقت العمل الرسمي للوظيفة في غالبية القطاعات منها نظرة الموظف إلى الكم فهو ينظر دائماً إلى الزمن وكم قطع من الساعات وكم بقي له حتى يعود إلى منزله بصرف النظر عما قدمه من إنتاج أو عمل, أو بمعنى أن الموظف قد يتأخر في الحضور للعمل وقد يبكر في مغادرته، وإذا كان هناك ضبط إداري شكلي فهو يأتي في الموعد وينصرف في الموعد الرسمي، ولكنه لا يعمل، فيكون قارئاً لجريدة، أو مستقبلاً لزواره، أو أنه ينتقل من مكتب إلى مكتب، ومن إدارة إلى أخرى للحديث مع العاملين في مكان العمل لتبادل آخر الأخبار, وهذا ما يؤدي إلى عدم الالتزام بتأدية الأعمال أثناء ساعات العمل الرسمية، والذي يترتب عليه انخفاض الإنتاج وتدهور مستوى الخدمات العامة.
2) امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه :
من أوضح صور امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه هو رفضه عن أداء العمل المكلف به من قبل رؤسائه، أو الامتناع عن القيام بأعمال وظيفته أو مباشرتها على نحو غير صحيح أو التأخير في أدائها, ويمكن إرجاع أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى انخفاض الأجور التي يحصلون عليها، والتي لا تتناسب مع المجهود اللازم لإنجاز الأعمال المطلوبة منهم .
3) التراخي :
يميل معظم العاملين إلى التراخي والتكاسل، ولا يحضهم على العمل إلا الحـافز المادي أو الصالح الشخصي من جهة أو الخوف من جهة أخرى, ولذلك فهم يستهدفون في عملهم بذل أقل جهد مقابل أكبر أجر، أو على الأقل تنفيذ الحد الأدنى من متطلبات الوظيفة الذي يبعد الموظف عن حد الخطر وهو الفصل أو الإنذار أو الخصم المادي.
4) السلبية :
وهو جنوح الموظف إلى عدم إبداء الرأي واللامبالاة، ولا يميل للتجديد والتطور والابتكار ، ويعزف عن المشاركة في اتخاذ القرارات، الأمر الذي يصل بالموظف إلى حد القناعة بتلقي التعليمات من غيره دون مناقشة, ومن ذلك أيضاً الانعزالية، وهي عدم رغبة بعض الموظفين في التعاون مع زملائهم في العمل، وعدم تشجيعهم للعمل الجماعي ويتجنبون الاتصال بالأفراد الآخرين، ولا يريد الفرد منهم الارتباط بأي شخص آخر.
5) عدم تحمل المسئولية :
قد يلجأ الموظف إلى محاولة تجنب المسئولية ويظهر ذلك من خلال تحويل الأوراق مـن مسـتوى إداري إلى مسـتوى أقـل أو العـكس للتهرب من الإمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسئولية, بجانب التفسير الضيق للقوانين والقواعد حتى لا يتحمل الموظف مسئولية أي اجتهاد أو تفكير إبداعي قد يترتب على ذلك استفادة عدد قليل من بعض هذه القوانين بجانب حصول الناس على أقل فائدة.
6) إفشاء أسرار العمل :
يقصد بهذه الظاهرة أن يقوم الموظف بإفشاء أسرار المنظمة أو الأسرار الخاصة بالأفراد المتصلين بالمنظمة سواء من الأفراد العاملين بها أو عملائها، فيقوم الموظف باطلاع العمال على التقارير السرية التي كتبها الرؤساء بشأنهم, فهو بهذا العمل يُفقد هذه التقارير سريتها ويزيد من درجة الاحتكاك والنزاع بين العامل ورئيسه بشأن ما كتب في هذه التقارير, أو يدلي بعض الموظفين ببيانات خاطئة أو غير متأكدة من صحتها إلى مندوبي وسائل الإعلام والتي قد يترتب عليها ضرر بالمنظمة.
المجموعة الثانية : الانحرافات السلوكية :
ويقصد بالانحرافات السلوكية تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف العام وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه، ومن أهمها :
1) عدم المحافظة على كرامة الوظيفة :
ومن هذه الأفعال على سبيل المثال ارتكاب الموظف لفعل فاضح مخل بالحياء في أماكن العمل أو خارج مكان العمل، واستعمال المخدرات، أو الاستغلال أو التورط في جرائم شرفية.
2) سوء استعمال السلطة :
قد يترك الموظف شيء من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر اختيار ما يراه محققاً للصالح العام، ويسمى ذلك بالسلطة التقديرية فإذا انحرف الموظف عن ممارسة هذه السلطة عن غاية المصلحة العامة وقام بالعمل تحقيقاً لباعث آخر كان تصرفه مشوباً بعيب الانحراف في استعمال السلطة, وقد يستغل هذه السلطات التقديرية لتحقيق مآرب شخصية لصاحبها على حساب المصلحة العامة.
3) المحسوبية :
ويترتب على انتشار ظاهرة المحسوبية شغل الوظائف العامة بأشخـاص غـير مـؤهـلـين مما يـؤثـر عـلى انـخـفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج، وهذا ما دفع بعض الدول إلى منع المحسوبية ووسائلها المختلفة في تشريعاتها الخاصة عند التعيين في الوظائف الحكومية وغيرها.
4) الوساطة :
يلجأ الموظف الإداري للوساطة في حالة الندب أو النقل أو الترقية أو العلاوة أو إرضاء رئيسه في العمل, ويستخدم بعض العاملين الوساطة شكلاً من أشكال تبادل المصالح وتعد هذه الظاهرة منتشرة في المجتمعات النامية.
المجموعة الثالثة : الانحرافات المالية :
ويقصد بها المخالفات المالية والإدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف، وتتمثل هذه المخالفات في :
1) مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة :
تحكم كل منظمة إدارية مجموعة من القواعد والأحكام المالية التي تتوافق مع طبيعة عملها, وتتفق مع القواعد والأحكام المالية التي نص عليها القانون، وعندما يخل الموظف بهذه القواعد والأحكام المالية فإنه يكون بذلك ارتكب انحرافاً ويحاسب عليه إدارياً, مثال تلك الأحكام المالية التي تنظم عمليات المخازن والمشتريات وقواعد المزايدات والمناقصات وترسية العقود وغيرها.
2) مخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية :
عندما يحدث عدم موافاة جهاز الرقابة المالية بالحسابات والمستندات الخاصة بالمنظمة أو عدم الرد على مناقصاته أو مكاتباته أو ما يطلبه من بيانات بدون مبرر أو عذر مقبول مما يعوق عمل هذا الجهاز ويؤثر على فاعليته, فإن هذا يعتبر انحرافاً إدارياً يرتكبه الموظف العام المسئول عن ذلك.
3) الإسراف في استخدام المال العام :
ويأخذ أشكالاً وصوراً مختلفة أكثرها انتشاراً اتجاه أغلب القائمين على الأجهزة إلى تبديد الأموال العامة في الإنفاق على الأبنية والأثاث والرواتب المدفوعة بلا عمل, فضلاً عن المبالغة في استخدام السيارات في الأغراض المنزلية والشخصية.
المجموعة الرابعة : الانحرافات الجنائية :
ومن أكثر صور الانحرافات الجنائية التي يمكن أن يقع بها الموظف ما يلي :
(1 الرشوة :
وهي داء ينتشر في كل المستويات الإدارية في القطاع العام والخاص، مما يؤدي إلى الإخلال بهيبة الوظيفة، وما يجب أن يتحلى به الأفراد من شعور بالهيبة والاحترام نحو الدولة.
(2 اختلاس المال العام :
ويأخذ أشكالاً مختلفة منها قيام بعض الجباة بتحصيل أموال غير مستحقة بعضها من قبيل الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب.
(3 التزوير :
ويتمثل التزوير في المحررات والمكاتبات الرسمية, وهذا اعتداء غير مباشر على سلطة الإدارة والمنشأة التي يعبر عنها هذا النوع من المحررات والمكاتبات، فقد يحدث التزوير في أوراق توثيق أحد العقود، أو في محاضر الجلسات.

ربنا يوفق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق